غزة- مجزرة الصحفيين وصمت المؤسسات الحقوقية

المؤلف: فايد أبو شمالة11.22.2025
غزة- مجزرة الصحفيين وصمت المؤسسات الحقوقية

في مشهد دامٍ، وبينما كانت الأخبار تتوالى عن استشهاد كوكبة من شبابنا الصحفيين الواعدين في قطاع غزة، رحل حمزة وائل الدحدوح، الابن البكر للزميل الصحفي القدير وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة المتجذر في غزة، ومعه مصطفى ثريا، الشاب المفعم بالحياة والعشق لغزة، الذي تفانى في تصوير جمالها الخلاب من الأعلى بطائرته الدرون، وذلك قبل أن تطال يد الغدر الإسرائيلية هذا الإبداع وتحيله إلى ركام ودمار.

لقد استهدف جنود الاحتلال الغاشم السيارة التي كانت تقل الصحفيين، مما أدى إلى استشهادهما المأساوي، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، وبينما كنا نتابع هذه الفاجعة المروعة، وردنا نبأ آخر عن استشهاد صحفي فلسطيني ثالث في مدينة غزة، وهو علي سالم أبو عجوة، وذلك جراء قصف إسرائيلي أثناء تغطيته الصحفية للأحداث، ليرتفع بذلك عدد شهدائنا الصحفيين إلى مائة وعشرة شهيدًا خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.

في خضم هذه الأحداث الموجعة، ومع تزايد أعداد الشهداء، نلتفت بقلوب دامية باحثين عن أولئك الذين طالما أزعجونا بحديثهم المتواصل عن الدفاع عن الصحفيين وحمايتهم ومساندتهم، والذين أنشأوا مؤسسات ضخمة تدعي تبني هذه الأهداف النبيلة والقيم السامية.

أيها السادة الكرام: أين أنتم الآن؟ أين تواريتم عن الأنظار طيلة الأشهر الثلاثة الماضية؟ ما الذي أصابكم بالصمت الرهيب كصمت القبور تجاه هذه المجزرة المروعة التي تستهدف صحفيي غزة، والتي أودت بحياة مائة وعشرة زميلًا وزميلة، اختطفتهم قذائف الاحتلال الإسرائيلي الغادرة أثناء تواجدهم في الميدان أو داخل منازلهم أو حتى داخل سياراتهم التي تحمل علامات واضحة تشير إلى أنهم صحفيون، أو حتى في مراكز النزوح التي لجأوا إليها بحثًا عن الأمان؟!

لم تتوقف المجزرة عند هذا الحد، بل امتدت لتطال عائلات الصحفيين بشكل مستمر، حيث سقط العشرات منهم شهداء وأصيب المئات بجروح! إن هذا العدد الهائل من الصحفيين الشهداء يفوق التصور، ويكفي أن نجري مقارنة بسيطة بين هذا الرقم وبين عدد الصحفيين الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم خلال عام 2022 والعام الذي سبقه، لندرك حجم الكارثة التي حلت بنا.

فغزة، في غضون ربع عام فقط، قدمت 110 صحفيين شهداء، بينما بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا في العالم أجمع في عام 2022 حوالي 86 صحفيًا، وفي عام 2021 وصل العدد إلى 55 صحفيًا، وذلك وفقًا لتقرير حرية التعبير الصادر عن منظمة اليونسكو، وقد وصفت سنة 2022 بأنها الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين. فماذا يمكننا أن نقول عن هذه المذبحة الشنيعة التي يتعرض لها الصحفيون في غزة منذ ثلاثة أشهر؟ ولماذا لا تثير هذه الأرقام المذهلة غضب المؤسسات الدولية التي تنادي بحرية التعبير وحماية الصحفيين؟ ولماذا تبدو أصواتهم خافتة ومترددة؟

ما الذي يمنعكم، أمام هول هذه الكارثة، من أن تطلقوا صرخات مدوية كما نصرخ جميعًا، وكما فعل الزميل وائل الدحدوح الذي فطر قلوبنا بصراخه ودموعه؟ ومن الذي يمنعكم من القيام بدوركم المنوط بكم، والذي اكتسبتم من خلاله شهرتكم ومكانتكم المرموقة، وهو العمل على حماية الصحفيين في كل مكان؟!

وإذا كنتم قد فشلتم أو عجزتم عن القيام بواجبكم، فلماذا لا تفصحون لصحفيي غزة عن أسباب هذا الفشل والعجز على الأقل، إن لم يكن السبب هو تقاعسكم وتآمركم المخزي؟!

ومن حقنا أن نذكركم بأنكم لم تتوانوا لحظة واحدة عن تقديم الدعم لأوكرانيا خلال الحرب الدائرة هناك، فأرسلتم الوفود تلو الوفود، وقدمتم الدعم المادي والمعنوي، وأرسلتم الفرق المساندة والأدوات والمعدات اللازمة لحماية الصحفيين، وعقدتم الندوات وورش العمل والتدريب، وانتقدتم بوتين وروسيا بأشد العبارات على ما أصاب الصحفيين هناك، وهو أمر لا يقارن إطلاقًا بما يفعله الاحتلال المجرم بحق صحفيينا في غزة. فلماذا لم تفعلوا الشيء نفسه عندما بدأ هذا العدوان الغاشم على غزة؟ ولماذا لم تتحدوا هذا الاحتلال بإرسال طواقمكم؟!

إنكم منافقون ومخادعون وكاذبون، ولا يحق لكم أن ترتدوا ثوب المدافعين عن مهنة عظيمة بنيت على المواثيق الأخلاقية والقيم النبيلة، فهي رسالة الصحفي إلى الإنسانية حول ما يدور حوله من أحداث قبل أن تكون مجرد وظيفة لكسب الرزق.

لماذا لا تكتبون عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي؟ لماذا لم تحثوا المراسلين الأجانب، وهم أعضاء في مؤسساتكم ومنتدياتكم ونقاباتكم واتحاداتكم، على القدوم إلى غزة لتغطية الحرب ومساندة زملائهم المحليين، لعلكم توفرون لهم نوعًا من الحماية أو الدعم المعنوي من خلال وجودكم إلى جانبهم وإيصال صوتهم وصورتهم إلى العالم؟

هل جبنتم وخفتم من بطش الاحتلال! أم أن هذه الحرب لا تعنيكم، أم أن الصحفي الفلسطيني ليس لديه نفس قيمة الصحفيين الآخرين الذين يستحقون جهدكم ونضالكم ومساندتكم، على الرغم من أنهم من أشجع الصحفيين الذين عرفتهم الإنسانية، ومن أروع الشباب والفتيات الذين التصقوا بأرضهم وشعبهم وقضيتهم، وقدموا للعالم أجمع أوضح صورة عن حجم الجريمة التي يرتكبها الاحتلال؟

إنهم بذلك يستحقون أن ترفع لهم القبعات وأن تخصص لهم الجوائز التقديرية، ولكن قبل كل ذلك هم بحاجة ماسة إلى ما تملكونه من قدرة على الدفاع عن سلامتهم ومنع الاعتداء عليهم، ووقف استهدافهم ورفع أصواتكم عاليًا للمطالبة بوقف المجزرة التي ترتكب بحقهم.. فهل ستفعلون ذلك قبل أن تبيد إسرائيل من تبقى منهم؟!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة